أن يتصور الإنسان أن الحياة كلها أحزان فهو رومانسي حتى الثمالة .... والذي يعتقد أنها السعادة هو أيضا يعيش واهماً .... ويعتقد خطأً .
الحياة غير ذلك .... فهي ليست حزنا ، كما أنها ليست سعادة ... لأن السعادة والحزن مشاعر إنسانية تعطي للحياة ألوانا معتمة أو مضيئة تحكمها حالة الإنسان النفسية .
الحياة حركة ديناميكية تسير بالعمل ، وتنشط بالسعي ... فهناك من يفشل بسبب الخسارة .. أو ينهزم ... أو يفقد عزيزا لديه ... أو يصاب بنوع من الخسارة ... فيرى الحياة قاتمة ... يفترشها الشوك .... ويلتحفها الغبار والقتام !!!
وآخر تحفل أيامه بالمكاسب والانتصارات ، ويزداد عدد أصدقائه ومحبيه فيرى الحياة حقولا من السعادة ... وانهارا من الفرح .... وبساتين من الزهور !!
والحياة في واقعها لا تدوم على حال فقد تنعكس الظروف فيشعر السعيد بالشقاء والحزن والاكتئاب ... في الوقت الذي تزدهر أحوال الآخر ، وبالتالي تصبح الحياة في عينيه وارفه الظلال تتلألأ بالضياء ... وتفترش الزهور طريقه
يروى أن أعرابيا لم يرزق في حياته إلا بولد وحيد وهب كل ما يقدر عليه .. وأغدق عليه من الرعاية والاهتمام صورا متنوعة ...وحاول أن يبعده عن مشاق الحياة ومتاعبها فكان يذهب إلى العمل في الحقل وحيدا رغم كبر سنه تاركا ولده الوحيد مع أمه في الخيمة حيث يلقى منها كل ما يمكن إن يحلم به الأطفال آخرون .. وكان يقضي وقته بين اللعب مع أترابه ثم العودة إلى امه في الخيمة ليجد أمامه الحب والحنان الكبيرين
في احد الأيام عاد الأب – وكان حكيما – من حقله ليجد زوجته تنوح وتندب فعرف إن وحيدها قد مات نتيجة تعرضه للحمى منذ يومين وكادت الأم إن تجن وشعر الأب انه فقد كل شيء الا إيمانه بالله تحامل على نفسه وكتم حزنه وقابل الحدث الكبير بصلابة الرجال وصبر المؤمنين
واخذ يفكر في طريقة يخفف بها الصدمة التي افقدت الام صوابها فاهتدى إلى فكرة راي فيها مخرجا لمصيبة الام الثكلى المنكوبة
هدأ من روعها واقنعها أن ابنهما الوحيد لم يمت وانه سيعود اليهما حين يكون القمر في منتصف السماء وما عليها الا إن تعد له وجبته التي يحبها من الطعام ، فاستراحت نفس الام قليلا لثقتها إن زوجها رجل حكيم وصالح يعرف ما لا تعرف ، فاسرعت لاعداد الوجبة ، الا إن زوجها اشترط عليها إن يكون الاناء الذي ستعد لابنهما فيه الوجبة يجب إن يكون اناءً خاصا لم يسبق إن طبخ فيه ماتم أو حزن
وافهمها إن كل الانية التي عندها لا تصلح أن تطبخ فيها لانهما الان في ماتم وان الحزن يسكن خيمتهما ، وطلب منها إن تذهب إلى احدى الخيام الاخرى المجاورة لاستعارة اناء يتوفر فيه هذا الشرط
فرحت الام المسكينة وذهبت إلى الخيمة المجاورة ... وثانية .. وثالثة حتى اتت على كل الخيام ، لكنها لم تجد لدى اهل هذه الخيام إناء لم يطبخ فيه لمأتم أو حزن ... فذهبت إلى المضارب المجاورة فلم هذا الإناء المطلوب .. ثم ذهبت إلى غيره من المضارب ، لكنها لم تستطيع إن توفق في الحصول على هذا الاناء
وعادت إلى خيمتها بخفي حنين بعد إن انهكها التعب واضناها البحث ، سالها زوجها عن الاناء فكان ردها انها لم تجد خيمة من الخيام ولا مضربا من المضارب لم يدخله حزن ولم تجد اناء لم يطبخ فيه لماتم
عندها قال لها الزوج والاب الحكيم هذه هي الحياة وهذه هي حال الدنيا فلا توجد اسرة لم تفقد عزيزا لديها ، ولا يوجد شخص خال من الحزن أو لم يفجع بغال في حياته
فادركت الام حكمة زوجها ، وسلمت أمرها لله .. وحبست حزنها داخل صدرها الكبير .. وبمرور الايام عادت إلى حياتها الطبيعية
هذه هي الحياة ليست شقاء دائما كما انها ليست سعادة أبدية انها من هذا المزيج شقاء وسعادة .. فرحا وحزنا .. كسبا وخسارة .. فشلا وانتصارا .. وسقوطا وارتفاعا ... وفقرا وغنى !!! وغير العاقل هو من يغتر بها إذا أقبلت عليه ، أو يحزن عليها إذا ادبرت عن .. وأي الناس تصفو مشاربه.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق